فصل: من فوائد ابن جزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن أحمد روايتان كالقولين وأصل هذه المسألة أنّ الصوم مقدر بطعام اليوم فعند الشافعي مقدر بالمد وعند أبي حنيفة مقدر بنصف صاع وله أن يصوم حيث شاء لأنه لا نفع فيه للمساكين وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخيار في تعيين أحد هذه الثلاثة الأشياء إلى قاتل الصيد الذي وجب عليه الكفارة لأن الله أوجب عليه أحد هذه الثلاثة على التخيير فوجب أن يكون هو المخير بين أيها شاء وقال محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة التخيير إلى الحكمين لأن الله تعالى قال: {يحكم به ذوا عدل منكم} ومن قال: إن كلمة أو للترتيب، قال: إن لم يجد الهدي اشترى طعامًا وتصدق به فإن كان معسرًا صام وقال مالك: إن لم يخرج المثل من النعم يقوّم الصيد ثم يجعل القيمة طعامًا فيتصدق به أو يصوم.
وقال أبو حنيفة: لا يجب المثل من النعم، بل يقوم الصيد فإن شاء صرف تلك القيمة إلى شيء من النعم وإن شاء إلى الطعام فيتصدق به وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يومًا واختلفوا في موضع التقويم فقال جمهور الفقهاء يقوم في المكان الذي قتل فيه الصيد.
وقال الشعبي: يقوم بمكة بثمن مكة لأنه يصرف بها.
وقوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} يعني جزاء ذنبه.
والوبال في اللغة، الشيء الثقيل الذي يخاف ضرره.
يقال: مرعى وبيل إذا كان فيه وخامة وإنما سمى ذلك الله وبالًا لأن إخراج الجزاء ثقيل على النفس لأن فيه تنقيصًا للمال وهو ثقيل على النفس وكذا الصوم أيضًا ثقيل على النفس لأن فيه إنهاك البدن {عفا الله عما سلف} يعني قبل التحريم {ومن عاد} يعني إلى قتل الصيد مرة ثانية {فينتقم الله منه} يعني في الآخرة والانتقام المبالغة في العقوبة وهذا الوعيد لا يمنع إيجاب الجزاء في المرة الثانية والثالثة فإذا تكرر من المحرم قتل الصيد تكرر عليه الجزاء وهذا قول جمهور العلماء وقد روي عن ابن عباس والنخعي وداود الظاهري أنه إذا قتل الصيد مرة ثانية فلا جزاء عليه لأنه وعد بالانتقام منه.
قال ابن عباس: إذا قتل المحرم صيدًا متعمدًا سئل هل قتل شيئًا من الصيد، فإن قال نعم، لم يحكم عليه.
ويقال له: اذهب فينتقم الله منك وإن قال لم أقتل قبله شيئًا، حكم عليه، فإن عاد بعد ذلك لم يحكم عليه، ولكن يملأ ظهره وصدره ضربًا وكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيدوج وهو واد بالطائف: {والله عزيز ذو انتقام} يعني ممن عصاه.
وإذا أتلف المحرم شيئًا من الصيد الذي لا مثل له من النعم مثل البيض وطائر صغير دون الحمام ففيه القيمة فيقوّم ثم يشتري بقيمته طعامًا ويتصدق به على محاويج الحرم أو يصوم عن كل مد يومًا. اهـ.

.من فوائد ابن جزي في الآية:

قال رحمه الله:
{لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} معنى حرم داخلين في الإحرام وفي الحرم، والصيد هنا عامّ خَصَّص منه الحديث: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور. وأدخل مالك في الكلب العقور كل ما يؤذي الناس من السباع وغيرها، وقاس الشافعي على هذه الخمسة: كل ممّا لا يؤكل لحمه، ولفظ الصيد يدخل فيه ما صيد وما لم يصد مما شأنه أن يصاد وورد النهي هنا عن القتل قبل أن يصاد وبعد أن يصاد، وأما النهي عن الاصطياد فيؤخذ من قوله: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} مفهوم الآية يقتضي أن جزاء الصيد على المتعمد لا على الناسي، وبذلك قال أهل الظاهر، وقال جمهور الفقهاء: المتعمد والناسي سواء في وجوب الجزاء، ثم اختلفوا في قوله متعمدًا على ثلاثة أقوال: أحدها أن المتعمد إنما ذكر ليناط به الوعيد في قوله: ومن عاد فينتقم الله منه، إذ لا وعيد على الناسي، والثاني: أن الجزاء على الناس ثبت بالسنة {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} المعنى فعليه جزاء، وقرئ بإضافة جزاءُ إلى مثل، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول به، وقيل: مثل زائدة، كقولك: أنا أكرمُ مثلّك أي: أكرمك، وقرئ فجزاءٌ بالتنوين، ومثلُ بالرفع على البدل أو الصفة، والنعم الإبل والبقر والغنم خاصة، ومعنى الآية عند مالك والشافعي: أنّ من قتل صيدًا وهو محرم أنّ عليه في الفدية ما يشبه ذلك الصيد في الخلقة والمنظر، ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الغزالة شاة، فالمثلية على هذا هي في الصورة والمقدار، فإن لم يكن له مثل أطعَم أو صامَ، ومذهب أبي حنيفة أنّ المثل القيمة يقومّ الصيد المقتول، ويخير القاتل بين أن يصدّق بالقيمة أو يشتري بالقيمة من النعم ما يهديه {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} هذه الآية تقتضي أن التحكيم شرط في إخراج الجزاء، ولا خلاف في ذلك، فإن أخرج أحد الجزاء قبل الحكم عليه، فعليه إعادته بالحكم إلا حمام مكة، فإنه لا يحتاج إلى حكمين، قاله مالك، ويجب عند مالك التحكيم فيما حكمت فيه الصحابة، وفيما لم يحكموا فيه، لعموم الآية، وقال الشافعي: يكتفي في ذلك بما حكمت به الصحابة {هَدْيًا} يقتضي ظاهره أن ما يخرج من النعم جزاء عن الصيد يجب أن يكون مما يجوز أن يهدي، وهو الجذع من الضأن والثني مما سواه، وقال الشافعي: يخرج المثل في اللحم ولا يشترط السن {بالغ الكعبة} لم يرد الكعبة بعينها، وإنما أراد الحرم، ويقتضي أن يصنع بالجزاء ما يصنع بالهدي من سَوْقه من الحلّ إلى الحرام، وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن اشتراه في الحرم أجزأه {أَوْ كفارة طَعَامُ مساكين أَو عَدْلُ ذلك صِيَامًا} عدّد تعالى ما يجب في قتل المحرم للصيد، فذكر أولًا الجزاء من النعم، ثم الطعام ثم الصيام، ومذهب مالك والجمهور أنها: على التخيير، وهو الذي يقتضيه العطف بأو، ومذهب ابن عباس أنها: على الترتيب، ولم يبين الله هنا مقدار الطعام، فرأى العلماء أن يقدّر الجزاء من النعم.
لأنهم اختلفوا في كيفية التقدير، فقال مالك: يقدر الصيد المقتول نفسه بالطعام الحب أو الدراهم، ثم تقوّم الدراهم بالطعام، فينظر كم يساوي من طعام أو من دراهم وهو حيّ، وقال بعض أصحاب مالك: يقدّر الصيد بالطعام أي يقال: كم كان يشبع الصيد من نفس، ثم يخرج قدر شبعهم طعامًا، وقال الشافعي: لا يقدر الصيد نفسه، وإنما يقدّر مثله، وهو الجزاء الواجب على القاتل له {أَو عَدْلُ ذلك صِيَامًا} تحتمل الإشارة بذلك أن تكون إلى الطعام وهو أحسن لأنه أقرب أو إلى الصيد، واختلف في تعديل الصيام بالطعام فقال مالك: يكون مكان كل مدّ يومًا، وقال أبو حنيفة: مكان كل مدّين يوم، وقيل: مكان كل صاع يومًا، ولا يجب الجزاء ولا الإطعام ولا الصيام إلا بقتل الصيد، لا بأخذه دون قتل لقوله: من قتله، وفي كل وجه يشترط حكم الحكمين، وإنما لم يذكر الله في الصيام والطعام استغناء بذكره في الجزاء {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} الذوق هنا مستعار لأن حقيقته بحاسة اللسان، والوبال سوء العاقبة، وهو هنا ما لزمه من التفكير {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} أي عما فعلتم في الجاهلية من قتل الصيد في الحرم {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} أي من عاد إلى قتل الصيد وهو محرم بعد النهي عن ذلك؛ فينتقم الله منه بوجوب الكفارة عليه أو بعذابه في الآخرة. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}.
{الذين آمنوا}.
عام وصرح هنا بالنهي عن قتل الصيد في حال كونهم حرمًا والحرم جمع حرام والحرام المحرم والكائن بالحرم، ومن ذهب إلى أن اللفظ يراد به معناه استدل بقوله: {وأنتم حرم} على منع المحرم والكائن بالحرم من قتل الصيد ومن لم يذهب إلى ذلك، قال المعنى يحرمون بحج أو عمرة وهو قول الأكثر.
وقيل المعنى وأنتم في الحرم والظاهر النهي عن قتل الصيد وتكون الآية قبل هذه دلت بمعناها على النهي عن الاصطياد فيستفاد من مجموع الآيتين النهي عن الاصطياد والنهي عن قتل الصيد والظاهر عموم الصيد وقد خص هذا العموم بصيد البر لقوله: {أحل لكم صيد البحر}.
وقيل وبالسنة بالحديث الثابت «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور» فاقتصر على هذه الخمسة الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقاس مالك على الكلب العقور كل ما كلب على الناس وغيرهم ورآه داخلًا في لفظه من أسد ونمر وفهد وذئب وكل سبع عاد فقال له أن يقتلها مبتدئًا بها لا هزبر وثعلب وضبع فإن قتلها فدى.
وقال مجاهد والنخعي لا يقتل من السباع إلا ما عدا عليه وروي نحوه عن ابن عمر.
وقال أصحاب الرأي أن بدأه بالسبع قتله ولا فدية وإن ابتدأه المحرم فقتله فدى.
وقال مالك في فراخ السباع قبل أن تفترس لا ينبغي للمحرم قتلها، وثبت عن عمر أمره المحرمين بقتل الحيات وأجمع الناس على إباحة قتلها وثبت عن عمر إباحة قتل الزنبور لأنه في حكم العقرب وذوات السموم في حكم الحية كالأفعى والرتيلا ومذهب أبي حنيفة وجماعة أن الصيد هو ما توحش مأكولًا كان أو غير مأكول.
فعلى هذا لو قتل المحرم سبعًا لا يؤكل لحمه ضمن ولا يجاوز قيمة شاة، وقال زفر بالغًا ما بلغ، وقال قوم الصيد هو ما يؤكل لحمه فعلى هذا لا يجب الضمان في قتل السبع وهو قول الشافعي ولا في قتل الفواسق الخمس ولا الذئب وإذا كان الصيد مما حل أكله فقتله المحرم ولو بالذبح فمذهب أبي حنيفة ومالك أنه غير مذكى فلا يؤكل لحمه وبه قال ابن المسيب وأحد قولي الحسن ومذهب الشافعي إن ذبح المحرم الصيد ذكاه، وقال الحكم وعمرو بن دينار وسفيان يحل للحلال أكله وهو أحد قولي الحسن.
{ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم} الظاهر تقييد القتل بالعمد فمن لم يتعمد فقتل خطأ بأن كان ناسيًا لإحرامه أو رماه ظانًا أنه ليس بصيد فإذا هو صيد أو عدل سهمه الذي رماه لغير صيد فأصاب صيدًا فلا جزاء عليه، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير وطاوس وعطاء وسالم وبه قال أبو ثور وداود والطبري وهو أحد قولي الحسن البصري ومجاهد وأحمد بن حنبل، وقال ابن عباس فيما أسنده عنه الدارقطني إنما التكفير في العمد وإنما غلظوا في الخطأ لئلا يعودوا، وقيل خرج مخرج الغالب فالحق به النادر، وقيل ذكر التعمد لأن مورد الآية في من تعمد لقصة أبي اليسر إذ قتل الحمار متعمدًا وهو محرم ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم أن الخطأ بنسيان أو غيره كالعمد والعمد أن يكون ذاكرًا لإحرامه قاصدًا للقتل وروي ذلك عن عمرو بن عباس وطاوس والحسن وإبراهيم والزهري، قال الزهري جزاء العمد بالقرآن والخطأ والنسيان بالسنة، قال القاضي أبو بكر بن العربي إن كان يريد بالسنة الآثار التي وردت عن عمرو بن عباس فنعمًا هي وأحسن بها أسوة، وقال مجاهد معناه متعمدًا لقتله ناسيًا لإحرامه فإن كان ذاكرًا لإحرامه فهذا أجل وأعظم من أن يكفر وقد حل ولا حج له لارتكابه محظور إحرامه فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها، قال ومن أخطأ فذلك الذي عليه الجزاء، وقال نحوه ابن جريج، وروي عن مجاهد أنه لا جزاء عليه في قتله متعمدًا ويستغفر الله وحجه تام، وقرأ الكوفيون {فجزاء} بالتنوين {مثل} بالرفع فارتفاع جزاء على أنه خبر لمبتدأ محذوف الخبر تقديره فعليه جزاء ومثل صفة أي فجزاء يماثل ما قتل.
وقرأ عبد الله: {فجزاؤه مثل} على الابتداء والخبر.
وقرأ باقي السبعة {فجزاء مثل} برفع جزاء وإضافته إلى مثل، فقيل مثل كأنها مقحمة كما تقول مثلك من يفعل كذا أي أنت تفعل كذا فالتقدير فجزاء ما قتل، وقيل ذلك من إضافة المصدر إلى المفعول ويدل على هذا التقدير قراءة السلمي {فجزاء} بالرفع والتنوين {مثل ما قتل} بالنصب.
وقرأ محمد بن مقاتل {فجزاء مثل ما قتل} بنصب جزاء ومثل والتقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل ومثل صفة لجزاء.
وقرأ الحسن {من النعم} سكن العين تخفيفًا كما قالوا الشعر، وقال ابن عطية هي لغة و{من النعم} صفة لجزاء سواء رفع {جزاء} و{مثل} أو أضيف {جزاء} إلى {مثل} أي كائن من النعم ويجوز في وجه الإضافة أن يتعلق من النعم بجزاء إلا في وجه الأول لأن جزاء مصدر موصوف فلا يعمل.
ووهم أبو البقاء في تجويزه أن يكون من النعم حالًا حل الضمير في قتل يعني من الضمير المنصوب المحذوف في قتل العائد، على ما قال لأن المقتول يكون من النعم وليس المعنى على ذلك، لأن الذي هو من النعم هو ما يكون جزاء لا الذي يقتله المحرم، ولأن النعم لا تدخل في اسم الصيد والظاهر في المثلية أنها مثلية في الصورة والخلقة والصغر والعظم وهو قول الجمهور.
وروي ذلك عن عمرو بن عوف وابن عباس والضحاك والسدّي وابن جبير وقتادة وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن، وتفاصيل ما يقابل كل مقتول من الصيد قد طول بها جماعة من المفسرين ولم يتعرض لفظ القرآن لها وهي مذكورة في كتب الفقه.